عصف الرياح فوق أربيل قمع الحق وتشويه الصورة

بقلم // ضياء ابو معارج الدراجي

في مشهدٍ يخطف الأبصار من عواصم الحرية يُلقي بظلالٍ ثقيلة على روح الديمقراطية، تتردد أصداء احتجاجات المعلمين في أربيل، تلك النداءات الصادقة لمن يريدون أن يُسمع صوتهم في وجه سلطاتٍ اتخذت من القمع وسيلة لترويض الإرادة الشعبية. هنا، في قلب كردستان، لم يُسمح للمطالب البسيطة بأن تبوح بما في داخلها من آمال وحزن، إذ فُرض الصمت على الإعلام الذي اعتاد أن يُغني الأصوات ما دامت تخالف التيار السائد.
إن السلطات الإقليمية في أربيل، بمكرٍ متعمد، تمنع تظاهرات المعلمين – أولئك الذين يسعون للدفاع عن حقوقهم ومطالبهم المشروعة – مستخدمة كافة أساليب القمع، سواء كان ذلك بالإجراءات القانونية المُجدِّدة أو باستخدام الوسائل الأمنية التي تُخنق حرية التعبير. وفي ظل هذه الظروف، يبقى الإعلام متواطئاً في صمته، كأنّه نائمٌ وسط ضجيج الأحداث، غير قادر على نقل الحقيقة كما هي، بينما تُرفع أصواتهم المحتجزة في العتمة.
وهنا تتجلى التناقضات المؤلمة؛ ففي بغداد، حين يخرج الشعب في مظاهرات، تُستقبل الهتافات بأصواتٍ بالعة من الجماعات البعثية والغمان والدونية، التي تُطبل وتُذمُّ في آنٍ واحد، لكن حين يكون المشهد في أربيل، يُحول القمع وتُلغى الحقائق تحت ستار من “حفظ النظام”. في هذه اللوحة السياسية المتناقضة، تتضائل مشاعر الحرية والعدالة أمام مصالح السلطة وصمت الإعلام.
على النقيض من هذه السياسة القمعية التي تتبناها حكومة أربيل، نجد حكومة المركز، التي قامت بخطوة جريئة ومضيئة من خلال طلب توطين رواتب معلمي وموظفي السلميانية ودهوك وباقي موظفي كردستان العراق. هذه الخطوة التي حملت بين طياتها وعداً بإعادة الاعتبار والكرامة للعاملين في قطاع التعليم والخدمة العامة، لتكون بمثابة بوحٍ للحقيقة وإقراراً بالعدالة الاجتماعية. ففي وقتٍ يُعاني فيه الكثيرون من خمول السلطات الإقليمية وإهمال مطالب الشعب، برزت حكومة المركز كصوتٍ واعٍ، يضرب بمثله الذي لا يُقاوَم في وجه الظلم واللامبالاة.
إن المقارنة بين السياسات المزدوجة تكشف تناقضاً صارخاً؛ ففي أربيل، يُسكت الحق وتُطوى المظاهرات تحت وطأة القمع، بينما يُحتفى بالحقوق المكتسبة في بغداد كخطوة نحو إعادة الثقة بمؤسسات الدولة وتنفيذ إصلاحات تصب في مصلحة المواطن. وما زالت الأصوات التي تنادي بالحرية والعدالة في أربيل تضيع بين ثنايا القمع، بينما تظل خطوات حكومة المركز من توطين الرواتب بمثابة بصيص أملٍ في مستقبلٍ أكثر إنصافاً.
إن ما يحدث في أربيل ليس إلا انعكاساً لسياسةٍ أكثر منهجية في استخدام القوة لإسكات الأصوات المعارضة، وهو ما يستدعي وقفة نقدية جادة ومطالبة بإعادة النظر في أساليب إدارة الشؤون العامة. علينا أن نذكر دوماً أن الحق في الاحتجاج والتعبير هو ركيزة أساسية لأي مجتمعٍ يسعى للنمو والتقدم، وأن إهمال هذه الحقوق قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الدولة وانحطاطها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى